أول هذه الأسباب تتمثل في الاستعمار فقد أصبحت القوى الأوربية التي احتلت البلاد العربية مسيطرة في خلال القرنين الماضين وقد أحضرت هذه القوى الاستعمارية معها الأشكال التعليمية لتدريب سكان البلاد تبعا للطريقة الأوربية بكل أهدافها كما تم أيضا استخدام الطرق والمواد الأوربية وبغض النظر عن مدى نجاح هذه الأساليب المستحدثة من وجهة النظر الخارجية إلا أنه كان لها تأثير بالغ الخطورة على سكان البلاد ولتأمين نجاح أبنائهم تحت سيادة المستعمرين فقد لجأ الآباء وخاصة هؤلاء الذين ينتمون إلى الطبقات العليا إلى دمج أبنائهم تحت هذا النظام الجديد فألحقوا أبنائهم بالمدارس الأجنبية وهكذا فقد تضاءلت الدراسة الموسيقية الصوتية التي كانت تدرس في الكتاب واستبدلت بتلك المنقولة عن الحضارة الأوربية فقد اتجه الطلاب إلى تعلم الألحان الغربية بدلاً من تعلم الأساليب الصوتية المرتجلة والألحان الفلكلورية العربية والموشحات فقد دخل التلاميذ في الموازين الصغيرة والكبيرة بدلاً من المقامات وتذوقوا موتسارت وبيتهوفن ولكنهم فقدوا الصلة بتقاليدهم الموسيقية وآلاتهم التقليدية.
وثاني هذه العناصر ظهور العلمانية في الوطن العربي ففي خلال القرن الماضي ظهرت بعض المؤسسات العلمانية الإعدادية والابتدائية تديرها المؤسسات أو الأفراد وقد اعتبرت هذه المدارس ناجحة من حيث أنها أفادت بالخبرة السياسية والاقتصادية كلا من الآباء والأبناء الذين سعوا للنجاح في الحياة لكن هذه المدارس أضرت كما أضرت المؤسسات الاستعمارية بالحضارة العربية فلقد سعت إلى تعليم الموسيقى عن طريق الأساليب المستعارة من الحضارة الأوربية والأمريكية أما العنصر الثالث فيتمثل في الأثر النفسي للاستعمار الخارجي فعندما بدأ الاستعمار كانت أسبابه اقتصادية وسياسية ولكن بعد سنوات من الإذلال ظهرت هناك آثار أخرى أهم هذه الآثار محاولة الأهالي تقليد الاستعمار إما لفائدة ما أو لإحساس عميق بالتفوق السياسي رابعا ظهور الأساليب الفنية التي أثرت بشدة في الأساليب التقليدية في الغناء وهذه الاختراعات أو الأساليب الحديثة تتمثل في الراديو والفونوجراف والتلفزيون والسينما والشرائط وقد اعتبرت هذه الاختراعات نوعا جديدا من الغزو سواء من الشرق أو من الغرب ولا يمكن أن ننكر تأثيره وهكذا وبعد ظهور العناصر السابقة فقد أصبح القلق واضحاً على مستقبل التعليم الموسيقي أو الصوتي في الوطن العربي.
الحلول القديمة والحديثة: يجب أن يعتمد التعليم الموسيقي الصوتي في العالم العربي على الحلول أو المحاولات القديمة والحديثة فيجب إحياء المحتوى والميراث والطرق القديمة الناجحة وفي نفس الوقت يجب أن تتخذ الحلول الحديثة عن طريق التفكير المتطور واقتباس أحدث ما في مجال التعليم الموسيقي الصوتي والحلول القديمة والحديثة ذات الفائدة لعملية التعليم الموسيقي الصوتي تخضع إلى نوعين:الحلول النظرية: أولا يجب على التعليم الصوتي أن يعتمد على تقاليد الإقليم بدلا من الخضوع إلى الغزو الموسيقي الذي استمر لقرون وذلك لأن فتح مجال التأثر بالموسيقى الأخرى ليس ذا خطورة ملحوظة إذا كانت البلاد قوية سياسيا واقتصاديا ومن ثم فهو يفيد الوعي الطلابي بالموسيقى ولكن ذلك لا ينطبق على المجتمع العربي الذي ليس في حاجة إلى الاستعارة من الموسيقى الأخرى ولكنه في حاجة إلى إعادة وإحياء وتأكيد الهوية الثقافية التي طالما هددتها الأنواع القادمة من الخارج وتأكيد أهلية الموسيقى العربية يختلف مع الاعتقاد السائد أن الموسيقى الفرنسية الروسية الإنجليزية والألمانية موسيقى عالمية قد تكون هذه الأنواع عالمية من حيث أنها تذيب الحواجز بين الدول الأوربية ولكن بالنسبة للكون فإنه من السذاجة أن نطلق عليها عالمية فهذه الموسيقى يمكن فهمها وتقديرها تماما كما يمكن فهم وتقدير الموسيقى العراقية والمصرية وهكذا فإن أهم ما يجب توجيه الدراسة إليه هو الهوية الموسيقية العربية وليس العالمية.