علَم... لكل مواطن عربي!
الكاتب: تركي الدخيل
أثناء متابعة الملايين بالأمس لحدَث إطلاق 19 أسيرة فلسطينية، لفت سمعي مراسل bbc الذي تعب وهو يعدّ عدد الأعلام المرفوعة ابتهاجاً بإطلاق الأسيرات من السجون الإسرائيلية. لكل حركة أو فصيل فلسطيني علم خاص به،
كما هو الحال في لبنان، وفي بعض الدول العربية الأخرى، بل إن السابقة في الخليج أن قامت جمعية الوفاق البحرينية في رمضان بوضع علم الجمعية بجوار علم الدولة، عند زيارة ولي العهد البحريني للجمعية، الأمر الذي أثار غضب الكثيرين، في لبنان نجد نفس المشكلة وبوضوح أكبر،
ففي المظاهرات والتجمعات والمكاتب تجد علم الحزب أوضح من علم لبنان، تجد أعلام حزب الله، والمستقبل، والحزب التقدمي الاشتراكي، وأمل، والتغيير والإصلاح، وحزب التوحيد، وتيار المردة... إلخ من الأحزاب والتيارات التي لا يختلف بعضها عن الدكاكين في شيء. أما حينما زرت السيد علي الأمين في منزله في بيروت في العيد، فقد أعجبني أنه لم يضع في مكتبه سوى علَم لبنان فقط، لم يضع أيّ علم آخر،
ولا عجب فهو ينطلق من استقلال فقهي وفكري وسياسي مكّنه من المناعة ضد أي اختراق حزبي يمكن أن يحول بيته إلى مستودع أعلام كما هو حال بعض رجال الدين للأسف. هنا تبرز الحكمة. حينما تجتاح الناس العاطفة يبرز الحكماء الذين لا ينساقون بسهولة وراء المواقف الناجزة والسريعة. إذا كانت قضية الفلسطينيين واحدة، ومطالبهم واحدة، والمسجد الأقصى واحد، ومطلب التحرير واحد،
وإذا كانوا يريدون هدفاً واحداً في وقت واحد، لماذا كل هذا الانقسام والتشاحن، لماذا كل هذا التصعيد المتبادل، بل إن حدَث إطلاق الأسيرات تم تجييره لصالح حزبٍ واحد، ولصالح تيار واحد، وكم تنميت أن يكتفي الذي تلى أسماء الطليقات أن يذكر أسماءهن بعيداً عن ذكر انتمائهنّ السياسي، انطلاقاً من شعار "وحدة القضية" الذي طالما سمعناه من الفلسطينيين أنفسهم. قلت: وإذا رأيتُ تعدّد الأعلام عرفتُ حجم الانقسام العربي والإسلامي، ولو وضع الأمر بيد الناس لصنع كل إنسان عربيّ شعاره السياسي، وأصبح لكل عربي علمه الخاص وحزبه الخاص وميليشياه الخاصة وتياره الخاص وقناته الخاصة ومفتيه الخاص. وهكذا فلقد اختار العرب من التعددية أسوأ ما فيها!
الكاتب: تركي الدخيل
أثناء متابعة الملايين بالأمس لحدَث إطلاق 19 أسيرة فلسطينية، لفت سمعي مراسل bbc الذي تعب وهو يعدّ عدد الأعلام المرفوعة ابتهاجاً بإطلاق الأسيرات من السجون الإسرائيلية. لكل حركة أو فصيل فلسطيني علم خاص به،
كما هو الحال في لبنان، وفي بعض الدول العربية الأخرى، بل إن السابقة في الخليج أن قامت جمعية الوفاق البحرينية في رمضان بوضع علم الجمعية بجوار علم الدولة، عند زيارة ولي العهد البحريني للجمعية، الأمر الذي أثار غضب الكثيرين، في لبنان نجد نفس المشكلة وبوضوح أكبر،
ففي المظاهرات والتجمعات والمكاتب تجد علم الحزب أوضح من علم لبنان، تجد أعلام حزب الله، والمستقبل، والحزب التقدمي الاشتراكي، وأمل، والتغيير والإصلاح، وحزب التوحيد، وتيار المردة... إلخ من الأحزاب والتيارات التي لا يختلف بعضها عن الدكاكين في شيء. أما حينما زرت السيد علي الأمين في منزله في بيروت في العيد، فقد أعجبني أنه لم يضع في مكتبه سوى علَم لبنان فقط، لم يضع أيّ علم آخر،
ولا عجب فهو ينطلق من استقلال فقهي وفكري وسياسي مكّنه من المناعة ضد أي اختراق حزبي يمكن أن يحول بيته إلى مستودع أعلام كما هو حال بعض رجال الدين للأسف. هنا تبرز الحكمة. حينما تجتاح الناس العاطفة يبرز الحكماء الذين لا ينساقون بسهولة وراء المواقف الناجزة والسريعة. إذا كانت قضية الفلسطينيين واحدة، ومطالبهم واحدة، والمسجد الأقصى واحد، ومطلب التحرير واحد،
وإذا كانوا يريدون هدفاً واحداً في وقت واحد، لماذا كل هذا الانقسام والتشاحن، لماذا كل هذا التصعيد المتبادل، بل إن حدَث إطلاق الأسيرات تم تجييره لصالح حزبٍ واحد، ولصالح تيار واحد، وكم تنميت أن يكتفي الذي تلى أسماء الطليقات أن يذكر أسماءهن بعيداً عن ذكر انتمائهنّ السياسي، انطلاقاً من شعار "وحدة القضية" الذي طالما سمعناه من الفلسطينيين أنفسهم. قلت: وإذا رأيتُ تعدّد الأعلام عرفتُ حجم الانقسام العربي والإسلامي، ولو وضع الأمر بيد الناس لصنع كل إنسان عربيّ شعاره السياسي، وأصبح لكل عربي علمه الخاص وحزبه الخاص وميليشياه الخاصة وتياره الخاص وقناته الخاصة ومفتيه الخاص. وهكذا فلقد اختار العرب من التعددية أسوأ ما فيها!